تغييب الأبطال وتزييف الحقائق: قناة العربية وانتفاضة 2 ديسمبر نموذجاً
تغييب الأبطال وتزييف الحقائق: قناة العربية وانتفاضة 2 ديسمبر نموذجاً
كتب/ المحرر السياسي
وكالة المخا الإخبارية
لطالما كانت قناة العربية، بتمويلها السعودي الواضح، محط اتهامات بالتغطية الإعلامية المنحازة والتضليل الممنهج، خاصة فيما يتعلق بالصراعات الإقليمية. تتجلى هذه الاتهامات بشكل صارخ في تغطيتها لانتفاضة 2 ديسمبر 2017 في اليمن، حيث يبدو أن القناة تعمدت تغييب الحقائق وتشويه السردية لتخدم أجندات معينة. إن ما حدث خلال تلك الأيام العصيبة في صنعاء يكشف عن نمط واضح من الانتقائية في عرض المعلومات، والذي وصل إلى حد إظهار شخصيات لا تمت للواقع بصلة كـ "أبطال"، بينما تم تجاهل الأبطال الحقيقيين الذين ضحوا بحياتهم.
إخفاء الشجاعة الحقيقية
في انتفاضة ديسمبر 2017، شهدت صنعاء مواجهات عنيفة بين قوات الزعيم علي عبد الله صالح وجماعة الحوثي.
لقد كان هناك رجال شجعان قاتلوا بشراسة وصمدوا حتى آخر لحظة، متمسكين بمواقعهم ورافضين الاستسلام، هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون الذين يستحقون أن تُروى قصصهم وتُخلد تضحياتهم.
لقد كانوا هم من واجهوا المد الحوثي بشجاعة نادرة، قدموا أرواحهم دفاعًا عن مواقفهم، وبقوا صامدين حتى استنفدوا آخر طلقة في بنادقهم.
وفي خضم هذه المعركة الضارية، برزت أدوار قيادية بارزة تستحق التقدير وتسليط الضوءعليها.. فقد كان العميد طارق محمد عبد الله صالح وشقيقه محمد محمد عبد الله صالح، يقودان المقاتلين من وسط الميدان وساحة المعركة.
لم تكن قيادتهم من وراء المكاتب أو من فلل الخارج، بل كانت من خطوط المواجهة الأولى، حيث خاضوا القتال جنبًا إلى جنب مع رجالهم، وقدموا نموذجًا للشجاعة والتضحية.. حيث كان لتواجدهم المباشر في المعارك أثر كبير في رفع معنويات المقاتلين وتعزيز صمودهم في مواجهة الهجوم الحوثي.
ولكن، بدلًا من تسليط الضوء على هذه البطولات والتضحيات التي سُطرت بدمائهم، اختارت قناة العربية تبني سردية مختلفة تمامًا.
لم نرَ تقارير مستفيضة عن صمود هؤلاء المقاتلين والقادة الشجعان، ولم تُقدم شهادات حقيقية من الناجين الذين شهدوا هذه الشجاعة على أرض الواقع. هذا التغييب المتعمد لا يعكس فقط إهمالًا إعلاميًا، بل يشير إلى نية واضحة لإخفاء الصورة الكاملة، ربما لأن الأبطال الحقيقيين لا يخدمون الرواية التي تسعى القناة لترويجها.
صناعة "أبطال" من ورق
المثير للدهشة والاستغراب، هو التوجه المقابل لقناة العربية في إبراز شخصيات بعينها كـ "أبطال" لتلك الأحداث.
تذكر التقارير والشهادات أن القناة عمدت إلى إظهار مراهقين، بل وأطفال لم يتجاوزوا السابعة عشرة من العمر في ذلك الوقت، على أنهم قادة ميدانيون شاركوا في المعارك وقتلوا أفرادًا من الطرف الآخر.
يُعد هذا الأمر ضربًا من الجنون، فكيف يمكن لطفل لم يبلغ السن القانونية للمشاركة في القتال، وربما لم يمسك سلاحًا حقيقيًا في حياته، أن يُقدم على شاشات قناة إخبارية كبرى ليتحدث عن خوضه لمعارك عنيفة وقتله لأفراد أطقم عسكرية كاملة؟ هذا لا يتوافق مع المنطق، ولا مع الواقع الميداني لتلك الأحداث.
إن إظهار هؤلاء الأطفال على هذا النحو ليس فقط تضليلًا للجمهور، بل هو استغلال لوضعهم وتعريضهم للخطر، وإيهام المشاهد بأن هؤلاء هم وجوه المقاومة، بينما الحقيقة مغيبة تمامًا.
إذ أن الهدف من هذه التغطية لم يكن تقديم الحقيقة، بل كان واضحًا أنه يرمي إلى:
* تشويه صورة المقاومة الحقيقية: من خلال إبراز شخصيات غير مؤثرة أو غير حقيقية، تُبث رسالة مفادها أن المقاومة كانت عشوائية أو غير جادة، أو حتى طفولية.
* خدمة الأجندة السياسية: ربما كانت القناة تسعى لترويج فكرة معينة عن طبيعة الصراع أو عن الأطراف المتورطة فيه، وهذا يتطلب تزييف الحقائق لتتناسب مع هذه الأجندة.
* التلاعب بالرأي العام: من خلال بث معلومات مغلوطة وصور زائفة، تُحاول القناة التأثير على الرأي العام وتوجيهه نحو تبني سردية معينة.
دور الإعلام ومسؤولياته
إن ما قامت به قناة العربية في تغطيتها لانتفاضة 2 ديسمبر 2017 في اليمن يثير تساؤلات جدية حول أخلاقيات العمل الإعلامي ومسؤولياته، فالإعلام يجب أن يكون مرآة تعكس الحقيقة، لا أداة لتزييفها أو تشويهها. إن تجاهل تضحيات الأبطال الحقيقيين، ومن بينهم أدوار قيادية فاعلة مثل العميد طارق صالح وشقيقه ونجله، وإبراز شخصيات وهمية، يمثل خيانة للأمانة الإعلامية، ويقوض مصداقية القناة.
على الرغم من مرور سنوات على هذه الأحداث، إلا أن الحاجة تظل ماسة لكشف الحقائق وإعادة الاعتبار للأبطال الحقيقيين الذين سطروا أروع ملاحم البطولة في تلك الانتفاضة. إن التاريخ لا يرحم، والتزييف الإعلامي مهما طال لن يغير من الحقائق شيئًا. فهل ستعيد قناة العربية النظر في منهجيتها، أم ستستمر في طريق التضليل؟