من محرقة غزة إلى محرقة الأعصاب.. الجيش الذي لا يقهر... إلا نفسياً
من محرقة غزة إلى محرقة الأعصاب.. الجيش الذي لا يقهر... إلا نفسياً
وكالة المخا الإخبارية
كشفت تقارير صحفية إسرائيلية وبيانات رسمية عن وجود أزمة نفسية خطيرة وغير مسبوقة تضرب صفوف الجيش الإسرائيلي، وذلك في أعقاب الحرب الحالية. وتكشف المعطيات عن ارتفاع كبير في أعداد الجنود الذين يعانون من اضطرابات نفسية حادة، مما يثير قلقًا عميقًا في الأوساط العسكرية والمجتمعية.
ارتفاع صادم في أعداد الجنود المصابين نفسيًا
وكشف تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت، نقلاً عن المحلل العسكري يوآف زيتون، عن أرقام صادمة من وزارة الدفاع الإسرائيلية. أكثر من 12 ألف جندي، في الخدمة والاحتياط، توقفوا عن القتال بسبب مشاكل نفسية. ومنذ 7 أكتوبر، يعاني نحو 3800 جنديًا من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، بالإضافة إلى آلاف آخرين يعانون من ردود فعل نفسية ويطالبون بالاعتراف بهم كمصابين. وتتوقع الوزارة أن تقدم علاجًا نفسيًا لما لا يقل عن 100 ألف جندي خلال العامين والنصف المقبلين.
وتشير تقديرات الخبراء إلى أن عدد الحالات النفسية سيزداد بشكل شهري بعد انتهاء الحرب، حيث يتمتع الجنود بـ"حصانة" نفسية نسبية أثناء القتال، لكن الذكريات المؤلمة تبدأ بالظهور بعد العودة للحياة الطبيعية، مما يخلق أزمات نفسية متأخرة.
كما كشفت يديعوت أحرونوت أن قسم الطب العسكري في الجيش عقد جلسة خاصة بعد انتحار عدد من الجنود مؤخرًا، ويتوقع أن يوقف الجيش نشاطاته مؤقتًا لإجراء محادثات مع الجنود، مع تكليف القادة الميدانيين بمراقبة علامات الضيق النفسي.
حالات انتحار متزايدة وسط رقابة عسكرية مشددة
تزايدت حالات الانتحار بين الجنود الإسرائيليين بشكل مقلق. أفادت صحيفة هآرتس أن 43 جنديًا انتحروا منذ 7 أكتوبر، منهم 15 منذ بداية العام، ومعظمهم من جنود الاحتياط.
كما أعلنت هيئة البث الإسرائيلية عن انتحار ضابط يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، بعد تسريحه من مشفى للأمراض النفسية.
وفي حالة مأساوية، انتحر الجندي دانيئيل إدري بإضرام النار في نفسه، بعد معاناته من اضطرابات نفسية حادة نتيجة مشاركته في القتال.
والدته صرحت أنه كان يشم رائحة الجثث ويراها طوال الوقت، وأن حالته النفسية تدهورت بشدة، مما جعله يعاني من نوبات غضب شديدة.
كشفت المحللة تشين أرتزي سرور في يديعوت أحرونوت أن هناك رقابة عسكرية مشددة على المعلومات المتعلقة بالصحة النفسية، بما في ذلك محاولات الانتحار بين الجنود النظاميين والاحتياط، واعتمادهم على الأدوية النفسية.
إخفاقات رسمية وتآكل في مصداقية الجيش
أظهر تقرير لمراقب الدولة ومفوض شكاوى الجمهور، نتنياهو إنجلمن، صورة خطيرة بشأن الارتفاع في معدل الأشخاص الذين يعانون من مشكلات نفسية.
التقرير، الذي يعد الأول من نوعه حول إخفاقات الحكومة والجيش، كشف أن 38% من المشاركين في استطلاع أفادوا بمعاناتهم من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة أو الاكتئاب أو القلق.
كما نقلت هآرتس عن ضابط إسرائيلي قوله: "نخشى التدقيق في حالة المصابين بأمراض نفسية كي لا يبقى الجيش دون جنود".
وفي ظل نقص القوات، يضطر الجيش لاستدعاء جنود مصابين باضطراب ما بعد الصدمة للحرب، بل وتجنيد أشخاص ليست حالتهم النفسية طبيعية.
أدى هذا الواقع إلى تآكل في مصداقية الجيش، حيث يرى معهد "الأمن القومي الإسرائيلي" أن بيانات الجيش لم تعد تحظى بالثقة، وأن الجمهور يعتمد على مصادر خارجية، بما في ذلك روايات "العدو". هذا التآكل يضعف قدرة الجيش على خوض الحرب النفسية، ويحوّله إلى مؤسسة معزولة عن الواقع.
تأثيرات على الجانب الاقتصادي والمعنوي
إلى جانب الخسائر البشرية والمعنوية، تحمل هذه الأزمة النفسية تداعيات اقتصادية كبيرة، أكثر من 12 ألف جندي خرجوا من الخدمة توقفوا أيضًا عن العمل في حياتهم الخاصة.
وتشير هيئة البث الإسرائيلية إلى أن مراكز الصحة النفسية عالجت نحو 18 ألف إسرائيلي خلال شهرين فقط.