الكشف عن فضيحة منظمة أممية كبيرة في اليمن تهز ثقة المانحين


الكشف عن فضيحة منظمة أممية كبيرة في اليمن تهز ثقة المانحين

الكشف عن فضيحة منظمة أممية كبيرة في اليمن تهز ثقة المانحين

 

 

 

وكالة المخا الإخبارية

 

 

 في بؤرة الأزمة الإنسانية التي تعصف باليمن، حيث يحتاج الملايين إلى أدنى مقومات العيش والرعاية الصحية، تطفو على السطح تقارير مقلقة عن اختلالات مالية وإدارية خطيرة داخل واحدة من أهم المنظمات الدولية العاملة في البلاد، مما يهدد بتقويض جهود الإغاثة وإهدار موارد المساعدات الدولية.

 

شبهات وإجراءات غير واضحة

 

كشف تقرير صادر عن "مركز موارد مكافحة الفساد" (U4)، وهو مركز بحثي وأكاديمي مستقل مقره النرويج، عن وجود حالات واسعة النطاق من الفساد والاختلاس داخل هياكل منظمة الصحة العالمية أثناء عملها في اليمن.

وأشار التقرير إلى أن التحقيقات الداخلية للمنظمة نفسها أظهرت ممارسات مشبوهة، منها اتهام أحد الموظفين في مكتب المنظمة في اليمن بتلفيق كشوف رواتب وموظفين وهميين.

 

ولم تكن هذه الحالة منفردة، فقد لاحظت المنظمة الدولية نفسها وجود مشكلات هيكلية تتعلق بنقص الرقابة على عمليات المشتريات والتوظيف، بالإضافة إلى ضوابط مالية غير مرضية.

 

تحويل الأموال وحسابات شخصية

 

وفقاً للوثائق الداخلية التي اطُلِع عليها، اتسمت الإدارة المالية في بعض الفترات بعدم الوضوح والشفافية.

فقد تمت الموافقة على تحويل مبالغ مالية كبيرة مباشرة إلى حسابات مصرفية شخصية لبعض الموظفين، تحت ذريعة تسريع عمليات الاستجابة للطوارئ وتسهيل الشراء في المناطق النائية.

 

وبينما يهدف هذا الإجراء نظرياً إلى تسهيل العمل الإنساني في بيئة معقدة، يشير المراقبون إلى أن غياب الرقابة الصارمة على كيفية إنفاق هذه الأموال قد فتح الباب أمام سوء الاستخدام.

فقد أظهرت التحقيقات صعوبة في تتبع وجهة ملايين الدولارات التي جرى تحويلها بهذه الطريقة، مما أثار تساؤلات جدية حول مصير أموال المانحين المخصصة لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية المنقذة للحياة.

 

 

 

مقرات فخمة وسيارات مدرعة

 

وتكشف التحقيقات الأولية عن نموذج مثير للقلق في إدارة الموارد المالية، حيث تشير التقديرات والمتابعة الميدانية إلى أن الجزء الأكبر من الأموال التي تحصل عليها المنظمة من المانحين الدوليين لا يصل إلى حاجة السكان المستحقين على الأرض. فبدلاً من توجيه التمويل لشراء الأدوية وتأهيل المرافق الصحية، يُستهلك ما يقارب 90% من إجمالي التبرعات في نفقات تشغيلية باهظة، تتنوع بين رواتب الموظفين – خاصة أولئك الذين يشغلون مناصب عليا بمكافآت مالية كبيرة – وإيجارات المقرات الفاخرة، وتكاليف لوجستية مبالغ فيها تشمل تأمين حراسة وسيارات مُدرعة.

في المقابل، لا يتجاوز ما يصل فعلياً إلى الجهات الصحية المحلية والبرامج الميدانية المخصصة أصلاً لها 10% من إجمالي الأموال، مما يعني أن العملية الإغاثية تحوّلت إلى آلة بيروقراطية تخدمها بشكل أكبر مما تخدم الهدف الإنساني الذي أُنشئت من أجله، وسط غياب تام للرقابة الفعالة على هذه الهياكل التكلفية.

 

 

استجابة المنظمة وتهديد التمويل

 

في ردود فعلها، أكد متحدث رسمي باسم منظمة الصحة العالمية أن مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للمنظمة يباشر التحقيق في جميع الادعاءات والمخاوف التي أثيرت، مشدداً على ضرورة احترام سرية هذه التحقيقات في مرحلتها الحالية.

 

غير أن تداعيات هذه الشبهات بدأت تظهر على أرض الواقع. فقد بدأ المانحون الرئيسيون، الذين قدموا مجتمعين مليارات الدولارات لليمن، بالتعبير عن قلقهم العميق. وبدأت أصوات تعلو بينهم تنادي بإعادة تقييم و"إعادة تركيز" للمساعدات، بل وحتى خفضها، في ظل المخاوف المتصاعدة من أن تدفقات المساعدات لا تخضع لرقابة كافية، وأنها قد تساهم، عن غير قصد، في إطالة أمد المعاناة بدلاً من حلها.

 

مطالب محلية بالشفافية

 

على الجانب الآخر، يطالب نشطاء يمنيون ومؤسسات مجتمع مدني بالشفافية التامة في إنفاق المساعدات. وقد أطلقت حملات شعبية، أبرزها حملة "أين المال؟"، لتسليط الضوء على انعدام الشفافية في توزيع وإدارة المساعدات الدولية، ومطالبة المنظمات الدولية بتحمل مسؤولياتها وعدم إخفاء نتائج تحقيقاتها الداخلية.

 

خلاصة

 

تواجه منظمة الصحة العالمية، كواحدة من أبرز أركان النظام الإغاثي في اليمن، اختباراً حقيقياً لمصداقيتها. فالشبهات التي تحيط بعملها لا تهدد فقط بضياع الموارد المالية، بل تقوض ثقة المجتمع الدولي والمجتمع المحلي على حد سواء، وتخاطر بتحويل المساعدات الإنسانية من أداة للإنقاذ إلى عامل إطالة للأزمة.

وكشف الحقيقة والمساءلة أصبحا ليس مجرد خيار، بل واجب إنساني وأخلاقي في بلد يحتاج كل دولار من مساعداته لإنقاذ الأرواح.