الإنفلات الأمني في تعز ومأزق الشرعية


الإنفلات الأمني في تعز ومأزق الشرعية

الإنفلات الأمني في تعز ومأزق الشرعية

وكالة المخا الإخبارية
مثّل اغتيال مديرة صندوق النظافة بتعز، افتهان المَشهري، في وضح النهار، أوضح دليل حتى الآن على تجذّر العنف السياسي وثقافة الإفلات من العقاب في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية. 

 

تأتي هذه الجريمة ضمن سلسلة اغتيالات تستهدف أولئك الذين يهددون المصالح المالية للقادة العسكريين النافذين الذين رسّخوا مواقعهم خلال النزاع. ينتهك هؤلاء المسلحون القانون، وينفذون عمليات قتل خارج نطاق القانون، ويروّعون السكان، في حين أن السلطات الرسمية (الاسمية) إما توفر لهم غطاء سياسيا أو تغض الطرف عنهم. إن استمرار هذا النمط من الفوضى وغياب القانون لأكثر من عقد من الزمن هو نتيجة مباشرة لفشل الحكومة في كبح جماح الجماعات المسلحة التابعة لها والحفاظ على القانون والنظام، مما يقوّض شرعية الحكومة أمام اليمنيين.

 

كانت المشهري، وهي مديرة صندوق النظافة والتحسين في محافظة تعز المنقسمة بين سيطرة الحوثيين والحكومة، تقود سيارتها وسط المدينة في 18 سبتمبر، عندما أطلق مسلح وابلا من الرصاص على سيارتها، مما أدى إلى مقتلها مع أحد المارة فورا. كان الصندوق مصدرا جذابا للإيرادات لأفراد نافذين في جماعات مسلحة، اختلسوا موارده لتحقيق مكاسب شخصية. 

 

عندما توّلت المشهري منصبها، شنت حملة على الفساد، وقيّدت الوصول غير المشروع إلى أموال الصندوق. سرعان ما ربطت التحقيقات عملية الاغتيال بتشكيلات عسكرية سيئة السمعة، وهي اللواء 170 دفاع جوي. أصدر القاتل، الذي قُتل لاحقا في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن، اعترافا مصورا (تم نشره بعد مقتله) قال فيه إنه تصرف بتحريض من قيادات محلية غاضبة من إجراءات المشهري.

 

أثارت الجريمة غضبا عارما في تعز؛ فنظّم المئات احتجاجات منتظمة خارج مباني السلطة المحلية للمطالبة بالعدالة، وإصلاح القطاع الأمني، والقبض على باقي المشتبه بهم الفارين من وجه العدالة، لكن القوى السياسية الكبرى في تعز استخدمت وسائل إعلامها لتبادل الاتهامات بعرقلة العدالة وتسييس جريمة القتل. حزبُ الإصلاح الفاعلُ الرئيسيُّ على الأرض في المدينة، ورغم أنه لم يُتهم مباشرة في جريمة القتل، إلا أن الحزب يتحمل بجلاء مسؤولية الحفاظ على النظام وكبح انتهاكات العناصر المارقة.

 

كانت تعز مسرحا لتظاهراتٍ امتدّت لأشهر، نظّمتها النساء بداية، احتجاجا على انهيار الأمن وتردّي الأوضاع المعيشية في ظل حكومةٍ عاجزة. في الواقع، اندلعت احتجاجات في مدن جنوبية عدة في الأشهر الأخيرة وسط انقطاع مستمر للتيار الكهربائي، ونقص الإمدادات، والتضخم. فاقمت هذه الأوضاع من الغضب إزاء مقتل شخصيات كانت تكافح من أجل إصلاح الحكومة، مثل المشهري، التي قد يؤدي مقتلها إلى ثني عزيمة النساء الأخريات عن السعي لتولي مناصب في السلطة في ظل مناخ أوسع من العنف ضد المرأة.

 

في حين أن القضية تشير إلى مشكلة في تعز تحديدا، وهي مشكلة حذّر منها مركز صنعاء منذ العام 2018، إلا أن المدينة تعد نموذجا مصغرا للعنف السياسي المشهود في جميع المناطق التي تديرها الحكومة. أصبح الاختفاء القسري والاغتيالات أمرا شائعا، في ظل التغاضي عن سيطرة قيادات عسكرية أقرب لأمراء حرب على أحياء بأكملها. في الفترة من 2018 إلى 2022، وثقت رابطة أمهات المختطفين 112 حالة اختفاء قسري في العاصمة المؤقتة للحكومة، عدن.

 

لا يمكن إرجاع مشكلة غياب القانون ببساطة إلى صراعات النفوذ بين الفصائل السياسية المتنافسة داخل مجلس القيادة الرئاسي الحاكم، فهناك تشابك معقد بين عصابات إجرامية، ومسؤولين فاسدين، وأمراء حرب، وجماعات متطرفة يُغذي هذا العنف. مع ذلك، فإن الجهات السياسية الفاعلة غير راغبة في كبح جماح هذه المجموعات خوفا من فقدان نفوذها. في الواقع، لقد عهدوا بالمسؤوليات الأمنية إلى عناصر خارجة عن القانون تروّع السكان المحليين وتبتزهم.

 

وصلت المجتمعات المحلية الآن إلى نقطة الانهيار، حيث تُظهر الاحتجاجات أنهم يعتبرون السياسيين متواطئين إذا ظلوا غير راغبين في اتخاذ الإجراءات القانونية. لا يمكن لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، أن يترك القضية على ما هي عليه. إن شكره الأخير لقائد شرطة محلي ليس كافيا إطلاقا. عوضا عن ذلك، يجب على الحكومة والسلطات المحلية التحقيق مع القادة العسكريين والأمنيين الذين يرتكبون انتهاكات، أو يتسترون عليها وإقالتهم، ليس فقط في تعز، ولكن في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. كما يجب اتخاذ تدابير لحماية الاحتجاجات المستمرة، بينما يمارس المواطنون حقهم في حرية التعبير.

 

إذا لم تتمكن الحكومة من إعادة إرساء القانون والنظام، فإن الرعاة الإقليميين والدوليين سيفقدون الاهتمام بمساعدة اليمن، وستزداد حالة الفوضى سوءا ما لم تُتخذ إجراءات حاسمة الآن.

 مركز صنعاء للدراسات